على مشارف اختبارات الفصل الدراسي الأول لهذا العام يتجلى الدور الأسري الفعال في رفع مستوى الطلاب التعليمي، حيث إن المشاركة الوالدية في التربية والتعليم هي من روافد نجاح العملية التعليمية، كما أن البيوت المطمئنة المليئة بالعلم والمحبة والاحترام والتفاهم والتعاون تساهم في تنشئة الأطفال ونموهم نموا متوازنا في جميع النواحي الشخصية والاجتماعية والأكاديمية.

يقول حافظ إبراهيم في قصيدة العلم والأخلاق:

الأمّ مدرسةٌ إذا أعددتها

أعددت شعباً طيب الأعراق

الأمّ روضٌ إن تعهده الحيا بالرّيّ

أورق أيما إيراق

الأمّ أستاذ الأساتذة الألى

شغلت مآثرهم مدى الآفاق

وهناك العديد من العلماء الذين ساهمت بيوتهم أيا كان نوعها سواء نووية أم ممتدة أم تشاركية في تعليمهم وعلمهم الذي يشار له بالبنان، فهذا الإمام الجليل أحمد بن حنبل كانت وراءه امرأة تقية، وأُمًّا صالحة صابرة وهي صفية بنت ميمونة التي مات عنها زوجُها وابنها أحمد مازال صغيرا، فربْته وعلْمته الكتاب والسنة، وكانت تحثه على طلب العلم، والذهاب إلى حلقات العلماء، فقد قال عنها الإمام أحمد رحمه الله: كانت توقظني قبل صلاة الفجر، فتُحمي لي الماء، ثم تخرج معي إلى المسجد خوفًا عليَّ؛ لأن المسجد كان بعيدًا عن داره، وكانت تنتظره خارجًا حتى يعود، وهكذا كانت توفق في حياتها لتربية ولدها من ناحية، ودعمه في رحلته العلمية من ناحية أخرى، حيث كانت تسير معه إلى حلقات العلم، وتتمنى أن يصبح ابنها عالما جليلا فقيها، فلم يُخيب الله أملها.

وفي قصة أديسون ودعم والديه له عظيم الأثر في صقل شخصيته وتنمية مهاراته، حيث ولد أديسون في عام 1847 في مدينة ميلان بولاية أوهايو الأمريكية، وألحقته والدته بمدرسة قريبة منه، وبعد ثلاثة أشهر طلب ناظر المدرسة مقابلة أم الطفل ليخبرها بأن ابنها غبي وبليد ولا يحتمل أن يراه مرة أخرى في المدرسة، فذهبت الأم وأخبرت الأب بذلك في جلسة مصارحة حول إمكانية تخلف الطفل، فقررا تعليمه في المنزل من خلال الكتب المختلفة في شتى العلوم والروايات، كما عانى أديسون من ضعف في السمع فكانت تستخدم والدته الإيماءات وترفع صوتها لتعليمه، وكان والداه يجيبان على جميع أسئلته الفضولية، ومن خلال قراءاته في كتب الفيزياء والطبيعة اخترع وسائل وطرق نقل وتوزيع الكهرباء، والمصابيح والفونوغراف والتيلجراف، فلم تكن أم أديسون من الأذكياء وليست معلمة بل من خريجي الجامعات، فاستطاعت احتواء ابنها وتعليمه والصبر على ذلك).

ولجعل بيوتنا بيوت علم تساهم في دعم تعليم أبنائنا علينا أولا وقبل كل شيء الاستعانة بالله تعالى في التربية فالمهمة ليست بالسهلة، والدعاء لأنفسنا وأبناؤنا بخيري الدنيا والآخرة، وتعويد ألسنتنا على ذلك، ومن الآليات النافعة لجعل بيوتنا بيوت علم مطمئنة:

  • القدوة: على الوالدين أن يكونا خير قدوة لأبنائهم في الالتزام بالصلاة وقراءة القرآن واحترام بعضهما البعض أمام أبنائهم قال صلى الله عليه وسلم ” كلُّ مولودٍ يولَدُ على الفطرةِ فأبواه يُهوِّدانِه أو يُنصِّرانِه أو يُمجِّسانِه” فالطفل يتعلم بالمحاكاة والنمذجة.
  • تلبية الاحتياجات الأساسية الفسيولوجية: حيث يتعين توفير المسكن الملائم والغذاء المتوازن والملبس ومستلزمات التعليم …الخ
  • مجالسة الأبناء ومعرفة احتياجاتهم ومشاكلهم، وتعليمهم الآداب الاجتماعية المختلفة، ومعرفة مدى تقدمهم العلمي وآليات استذكارهم.
  • جعل بيوتنا آمنة بعيدة عن الصراخ والعنف والإيذاء النفسي من عبارات السخرية والاستهزاء وغرس الكلمة الطيبة والحوار الفعال في تواصلنا الأسري.
  • تخصيص وقت محدد لمشاهدة التلفاز واستخدام الهواتف ووسائل التواصل الاجتماعي، فليس من الحكمة منع الأطفال كلية من متطلبات العصر ولكن بلا إفراط ولا تفريط بالإضافة إلى المراقبة المستمرة لما يشاهده أبناؤنا، مع الاستفادة في القنوات الهادفة التعليمية في دعم مسيرة التعلم والتعليم.
  • معرفة الحقوق والواجبات، فغياب حس المسؤولية نابع من غياب متطلبات الدور الأسري، ويكون ذلك من خلال الاطلاع المستمر والقراءة وحضور الدورات الأسرية المختلفة، كما أن القوانين الأسرية لابد أْن تكون معلومة لدى كل فرد في الأسرة من وقت النوم والترفيه والأكل ….الخ.
  • العلم والوعي والفهم بمتطلبات نمو الأبناء في ضوء المراحل العمرية المختلفة، ودور الأسرة في دعم المراحل المختلفة، فمرحلة الحسية تختلف احتياجاتها عن مرحلة ما قبل العمليات.
  • التواصل المستمر مع المدرسة ومعرفة مدى التقدم العلمي والسلوكي للابن.
  • التعامل مع المشكلات السلوكية والتعليمية بحكمة وروية.
  • الاتزان والتوازن في تربية الطفل فلا دلال زائد ولا حرمان متطرف.

ختاما: عزيزتي الأم عزيزي الأب إن أبناءكم أمانة (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، فإذا لم يكن البيت ملاذا آمنا مطمئنا لتعليم الطفل وتنشئته فأين يكون إذا؟