Slaati
نايف حمد النعامي

تاءُ التأنيث.. حين يتهذّب الفعل

منذ 3 يوم01739

مشاركة

لم تكن تاء التأنيث الساكنة مجرّد علامةٍ تلحق آخر الفعل الماضي؛ كانت دائمًا أشبه بلمسةٍ تُزيل غبار الزمن عن الكلمة، وتُعيد للفعل هدوءَه… كأنّ الحركة قبله كانت ناقصة النفس.

كان القدماء يعرفون ذلك دون أن يشرحوا، فإذا قالوا: حضرتْ، جاءتْ، نهضتْ لم يكونوا يملؤون السطر بحرفٍ زائد، بل يضعون تاجًا صغيرًا فوق رأس الزمن، يذكّرهم بأن للحياة وجهًا آخر يستقيم حين تمرّ به المرأة.

وكانت التاء في الأسماء أيضًا تُهذّب المعنى: رؤية، حكمة، نجاة، روضة، أميرة…

حروفٌ تنضح برائحة الأنوثة القديمة، التي كانت تُتلى كما تُتلى القصائد، ويُصاغ حولها الشعر ليُرفع مقامها لا ليُبتذل.

لكن الزمن تبدّل… وأصبحت التاء، في عصرٍ يستهلك اللغة كما يستهلك الأشياء، مجرّد زينة تُعلَّق على الاسم لشدّ الانتباه، أو تُضاف إلى الفعل بلا روح، كأنها تُستعمل لتجميل الفراغ لا لتكميل المعنى.

تاءٌ كانت تُلبس الفعل ثوبًا من الهيبة، صارت اليوم تُستعار كما تُستعار العدسات الرقمية: لمعةٌ سريعة… تُحذف وتُعاد، لا تنتمي لأحد.

حتى إن بعض الخطاب الحديث بات ينظر إلى تاء التأنيث كما لو أنها «زائدة نحوية»، بينما كانت – في أصلها – ختمًا لا يُمنح إلا للفعل الذي يليق به أن يُروى.

لقد تغيّرنا… فلم يَعُد الاسم ينتظر التاء ليكتمل، ولا الفعل يأنس بها في آخره، ولا الشعراء يسابقون بعضهم ليجعلوا المحبوبة «ملكة لغوية» تُقام لها الاستعارات وتُرفع من أجلها الأوزان.

صار كثير من الخطاب الحديث يجرّد التاء من تاريخها، ويضعها في مواضع أشبه بالإعلانات، لا يعرف من حضور الأنوثة إلا «الصوت العالي»، ولا من الفعل إلا قشرته.

وحدها اللغة تتذكّر أن تاء التأنيث لم تكن يومًا مهملة، ولا مبتذلة، ولا عابرة كحرفٍ يُضاف قبل النشر.

كانت دائمًا لمسة اكتمال، وآخر خيطٍ في ثوب الفعل، والعلامة التي تقول للمعنى: «لقد بلغ مقامه».

اللغة – يا صديقي – تعرف من يُحسن حملَها، ومن يستخدم حروفَها كأدوات.

وليس أشرف على الكلمة من أن تُزيَّن بتاءٍ تعرف كيف ترفع الاسم، وتُهذِّب الفعل، فالحروف لا تُجمل اللغة… إلا إذا وُضعت في مقامها.

التعليقات ()

مشاركة

أخر الأخبار

6574e7eb-fbc2-4fcd-b693-dd0f30451690.jpg
سوري يروي لحظات تصديه لمسلح في سيدني وإنقاذه مدنيين
دمشق
منذ 1 دقيقة
0
1338
7ee362dd-014e-4d43-a6e7-24629196a640.jpg
لحظة سقوط تمثال الحرية في البرازيل بسبب الرياح القوية.. فيديو
برازيليا
منذ 4 دقيقة
0
1351
2c88752d-d370-4128-a400-c2cd8b93fa5b.jpg
اشتباكات نسائية داخل مجلس مدينة مكسيكو.. فيديو
مكسيكو
منذ 19 دقيقة
0
1414
4153d48e-1109-4a6e-8518-81e46c19797c.jpg
وظائف شاغرة لدى شركة المراعي
الرياض
منذ 25 دقيقة
0
1435
e3870235-f68a-43dc-a405-90961581a7c8.jpg
عمرو أديب يرد على اتهامات محمد صبحي حول فيلم الست.. فيديو
القاهرة
منذ 27 دقيقة
0
1444
إعلان
مساحة إعلانية