Slaati
خالد عمر حشوان

لماذا لا نصبر على البلاء؟

منذ 3 ساعة01342

مشاركة

الصبر هو القدرة على التحمل في الظروف الصعبة، وتعني المثابرة في مواجهة المصائب الدنيوية وتحمّل عناءها لتجاوزها والوصول إلى الهدف المنشود بإذن الله، وقد عرَّفه البعض أيضا على أنه الصمود المُستمر على الأحداث المؤلمة نفسياً وجسدياً وتحمّلها بإيمان وروح عالية دون استياء وانفعال مرئي أو محسوس أو تملّل وجزع، وهو خُلقٌ حميد وفضيلة يحتاجها المسلم لدينه ودنياه.

وللإجابة على سؤال عنوان المقال " لماذا لا نصبر على البلاء؟ " في جملة مختصرة نجد أنه نابع من ضعف الإيمان وعدم التحقق بالعبودية أي عدم دوام الافتقار إلى الله عزّ وجلّ وعدم الالتجاء إليه بسبب التعلق الشديد بالدنيا، فعندما يتم فقد العبد لشيء منحه الله له في الدنيا كالصحة أو المال أو الأبناء أو الزوجة يبدأ الجزع والخوف والنحيب لأنه لم يستوعب أن هذه الدنيا مُجرَّد مَعْبَر للآخرة وزادٌ لها، لذلك قال المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام "إنَّ العَبدَ إذِا سَبقَتْ لهُ مِنَ اللهِ مَنزلةٌ فَلمْ يَبلُغهَا بِعمَلٍ، ابتلاه اللهُ في جَسَدِه أو مَالِه أو في ولدِه ثُمَّ صَبَر عَلى ذَلكَ حتى يُبلِّغَهُ المَنزلةَ التي سَبقَتْ لَهُ مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ" (الألباني-صحيح الترغيب)، ولاحظ أخي المسلم جملة "ثم صبر على ذلك" في الحديث أي أنه في هذه الحالة كان صابراً محتسباً ولم يكن شاكياً مُتسخطاً حتى يُبلّغه الله هذه المنزلة العالية، وهو توفيق من الله للعبد إلى الطاعات.

كل إنسان في هذه الدنيا معرض للابتلاء، وتعتمد قوة تحمّله على قوة إيمانه وسلامة يقينه وإخلاصه لله، فحين سأل سعد بن أبي وقاص الرسول عليه الصلاة والسلام: أيُّ النَّاسِ أشدُّ بلاءً؟ قال "الأنبياءُ ثمَّ الأمثلُ فالأمثَلُ، فيُبتلى الرَّجلُ على حسْبِ دينِه، فإن كانَ في دينهِ صلبًا اشتدَّ بلاؤُهُ، وإن كانَ في دينِهِ رقَّةٌ ابتليَ على حسْبِ دينِه، فما يبرحُ البلاءُ بالعبدِ حتَّى يترُكَهُ يمشي على الأرضِ ما عليْهِ خطيئةٌ" (الألباني-صحيح الترمذي).

ولو أمْعَنَا النظر في ابتلاء الأنبياء وهم خيرة البشر على وجه الأرض والذين أختارهم الله لرسالته، نجد أن سيدنا آدم عليه السلام صَبر على خروجه من الجنة، وعلى ابنه قابيل الذي قتل أخيه هابيل بسبب الغيرة والحسد وصَبر على فقد ابنه وشَفِقَ على شقاء الآخر، وأما نوح عليه السلام الذي صبر على دعوة قومه ألف سنة إلا خمسين وأذاهم واستهزائهم وفقد ابنه وزوجته في الطوفان مع من هلك، وإبراهيم عليه السلام الذي ابتلاه الله بكلمات فأتمهن، وابتلاه في أبيه وقومه والنمرود وتأخر الذرية، وأمر ذبح إسماعيل ولم تزده المِحَن إلا صبراً وإيماناً بالله، وإسماعيل الذي ابتلاه الله بطاعة الوالد في أمر الذبح وأمتثل له رغم عِظَم الأمر وصبر فعوَّضه الله بكبش عظيم، ولوطا عليه السلام وصبره على قومه وخروجهم عن فطرة الله في الخلق وعلى زوجته في خيانتها للدين، ويعقوب الذي ابتلاه الله في حقد أبنائه وكذبهم وفقدان يوسف حتى أبيضت عيناه من الحزن، ويوسف عليه السلام الذي كانت تتوالى عليه المِحن منذ نعومة أظفاره وكان صابراً محتسباً لأمر الله حتى اعتلى عرش مصر، وسيدنا أيوب عليه السلام الذي ابتلاه الله في جسده 18 عاماً وفقد كل ماله وأبناءه ورفضه القريب والبعيد إلا زوجته وكان صابراً ومحتسباً، ويونس الذي مكث في بطن الحوت 40 يوماً حتى خارت قواه وجسده وصبر على ذلك، وغيرهم من الأنبياء إلى أن نصل إلى خاتم الأنبياء ونبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام الذي ابتلاه الله باليُتْم في بداية حياته وموت والدته وهو طفل صغير وجدَّه عبدالمطلب وعمَّه أبي طالب وزوجته خديجة رضي الله عنها وتكذيب قومه وأذاهم له ومحاولة قتله بعد الجهر بالدعوة، وتهجيرهم له وقتاله خاصة في غزوتي بدر وأحد لقلة أعداد المسلمين فيها عن الكفار، وموت أبنائه، وحادثة الإفك، ومرضه قبل وفاته وكان من الصابرين الراضين لأمر الله.   

فالصبر وانتظار الفرج سنة من سنن الكون، والله خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ونعلم جميعاً أن الجنين لا يظهر للوجود إلا بعد تسعة أشهر، والزرع لا ينبت بعد البذر مباشرة، وذلك يقودنا إلى قناعة هي أن الصبر هو تسليمٌ بقضاء الله وقدره والرضا بِه، وبه تُفتح للعبد أبواب العطاءات الربانية بعد فضل الله، وليس له جزاء محدود كما قال تعالى: { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} (الزمر-10)، ووعد الله الصابرين بثلاثة أمور لم يجمعها لغيرهم وهي الصلاة عليهم، ورحمته لهم، وهدايته إياهم كما قال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (البقرة-155/157).

التعليقات ()

مشاركة

أخر الأخبار

الأخضر تحت 17 عاما يخسر أمام النمسا في أولى مواجهاته بمونديال الناشئين..صور
الأخضر تحت 17 عاما يخسر أمام النمسا في أولى مواجهاته بمونديال الناشئين..صور
الرياض
منذ 7 دقيقة
0
1356
dbbe6873-a564-45d7-88e9-2c4872ee6a3d.jpg
عبدالله رديف يمازح المالكي والبليهي داخل صالة الجيم .. فيديو
الرياض
منذ 7 دقيقة
0
1356
876a1e75-e9dd-462a-9906-2645c59534ae.jpg
فليك يحسم موقفه ويرد بقوة على شائعات رحيله عن برشلونة
مدريد
منذ 7 دقيقة
0
1351
348260a2-3d40-4a15-8f18-ef82191258c3.jpg
مرور العاصمة المقدسة يغلق منحدر لاستكمال مشروع تقاطع السيل مع الدائري الرابع
مكة المكرمة
منذ 8 دقيقة
0
1350
2dbba753-5c48-4455-ac48-74f5fb9b94d2.jpg
سماء المملكة تشهد ذروة زخة شهب الثوريات مساء اليوم
جدة
منذ 8 دقيقة
0
1354
إعلان
مساحة إعلانية